كيف تتحول الطاقة الشمسية إلى خيار صديق للبيئة تعزز التحول الطاقي في ميدان الزراعة ويعفي الفلاحين من فاتورات الكهرباء
إذاعة دريم إف إم/إعداد وتحرير : أحلام العامري
عندمـا تشرق الشمس على الحقول، وتنساب خيوطها الذهبيـة بين أوراق شجـر الزيتـون العطشى فـي هـذه الأرض الضمآنـة الواقعـة جنوب مدينة رقادة بالقيروان، حينها يستيقظ الفلاح الطيب العامري ليستأنف رحلته المستمرة في العثور عن مياه تروي عطش زياتينه الهامدة، يكابد كبر سنه وأوجاعـه بسبب الأمراض التي ألمت به بحثا عن حلول لإنقاذ غراساته. فبعد تقلص الموارد المائيـة السطحيـة في أراضيـه و هبوطهـا، توقـف البئـر الـذي حفره سنـة 1967 عن ضخ الميـاه منذ نحو 15 سنة، وبعـد تراكم ديون الكهرباء، وتراكم الضغوطات الماديـة عليه وجد ” الطيب ” الفلاح القاطن بمنطقـة أولاد أحمد برقادة بالقيروان، نفسه مضطرا لاقتناء الماء من جيرانه.
أزمـة الظـمـأ التـي لحـقت بزياتين الفلاح الطـيب بسبـب محدوديـة الموارد المائية والجفـاف تطـال اليوم عـدة فلاحين آخرين في ولايـة القيـروان ذات المناخ شبه الجاف،وتتعمق الأزمة في حال تذبذب إمدادات الكهرباء أو انعدامها.بينما تتسع مخاطـر الجفـاف والعطـش اليـوم بسبـب استنـزاف الموارد المائية، فالفلاحة تستهلك اليوم نحو 70 بالمائة من المياه العذبة المتاحـة في العالـم، وفي تونس نجد قطاع الزراعـة الأكثر استهلاكًـا للموارد المائيـة ففي 2020 تم ضخ 58.7٪ من المـوارد المائيـة المتجددة في الزراعـة.
هذه المفارقة دفعت بدول العالم اليوم للتحول نحو فلاحة مستدامة باعتبارها ضرورة استراتيجية لضمان الأمن الغذائي وحماية الموارد الطبيعيـة، وفي تونس برزت عـدة خيـارات زراعيـة من شأنهـا أن تحقق استدامـة المـوارد المائية وتساعد الفلاحيـن الذين يعانون مـن تذبذب الكهربـاء أو انعدامها ولعل أبرزها الطاقة الشمسية،التي أضحت رهانا لحل مشاكل التزود بالكهرباء.
فهل يمكن أن تكون هذه الطاقـة البديلـة الحلّ لفلاحة أكثر استدامـة فـي ظل محدوديـة الموارد المائية و استفحـال ظاهـرة الجفاف في القيروان التي يعاني فلاحوها فعليا من نقص إمدادات الكهرباء وغلاء أسعارها؟
ظل الفلاح الطيب العامري يعاني من مشاكل التزود بالماء منذ سنة 2010، وإلى حدّ اليوم، يلجـأ بين الحين والآخر إلى إعتمـاد حلـول وقتيـة لإنقـاذ أشجـاره مـن العطـش، وفـي مكـان ليس ببعيـد عنه وجدنا عدة فلاحين يتشاركون مع “الطيب ” نفس المعاناة رغم اختلاف أسبـابهـا حيث تشتكـي مواسمهـم الزراعية من الضمأ، ففي منطقة الشواشي مثلا يعاني المزارعون من ضعف التزود بالكهرباء الأمـر الذي أثر سلبا على إنتاجهم الزراعي مادفع البعض منهم إلى الاستناد على الطاقة الشمسية في سقي أراضيهم مثل الفلاح ميلاد شعباني الذي كشف عن أزمة الري التي تعاني منها المنطقة الواقعة بمعتمدية حاجب العيون بسبب ندرة المياه ونقص الإمدادات الكهربائية، في خضم ذلك تسعى تونس عبر استراتيجيتهـا الوطنيـة للانتقال الطاقي إلى مزيد الإعتمـاد علـى الطاقات المتجددة لتبلغ 35 بالمائة بحلول عـام 2030،مـع ترشيـد الاستهـلاك ليبلغ 30 بالمائة في عام 2030، مـمـا يعزز استقـلال تونس في مجـال الطاقـة ويخفِّض أسعــار الكهربـاء، وهو ما يمكن أن يعود بالنفع على المزارعين.
تسجيل صوتي للفلّاح ميلاد شعباني بمنطقة الشواشي بحاجب العيون
الانتقال الطاقي في قطاع الفلاحة ضرورة استراتيجية لتحقيق فلاحة مستدامة
تستهلك أنظمة الأغذيـة الزراعية 30 بالمائة من طاقة العالم،فيما تساهم في ثلث انبعاثات غازات الاحتبـاس الحراري،ما دفع بالمنظمـة العالمية للأغذية الزراعيـة “الفاو” إلى دعوة دول العالـم لاتباع نهج مشترك للتحول في مجال الطاقة وتحويل أنظمة الأغذية الزراعية لتحقيق أهـداف التنميـة المستدامـة واتفاقيـة باريس بشأن تغيـر المنـاخ الموقعة عليها تونس.بدوره أشار الخبير في السياسات الزراعية فوزي الزيانـي خلال حوار صحفـي مـع إذاعة دريم إف إم، إلى المخـاطر التي تشكلهـا الطاقـة التقليدية على قطاع الزراعة في تونس مبينا أن التحول الطاقي أضحى اليوم ضرورة بيئية وسيكولوجية.
لهذا أصبحت الطاقـة الشمسيـة حلاً مبتكرًا ومستدامًا لدعم القطاع الفلاحي في تونس، لاسيما مع تزايد تحديات الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتـاج والكهربـاء خاصـة وأن الزراعـة في تونس ما زالت تعتمد على الطاقـة التقليديـة، نظرا لعدم تجاوز الإنتـاج الطاقي النظيف في تونس عتبة 7% من إجمالي الطاقة المُنتَجة.
وهو ما أقره المدير الجهوي للتحكم في الطاقة بسوسـة فتحي حَمَدْ على هامش الدورة التكوينيـة المنعقـدة في ولاية القيروان في نوفمبر 2025، حيث أكد أن:” الطاقات التقليدية ما تزال تهيمن على النشاط الفلاحي في تونس, فالكهرباء والفيول والمازوت والإيسونس تمثل المصادر الأكثر استخدامًا، رغم اعتمادها على الوقود الأحفوري”.
“حالياً، لا تتجاوز نسبة الطاقة المتجددة في تونس 7% كحدّ أقصى من إجمالي الطاقة المُنتَجة، وهذا رقم صادم ويثير التساؤل: لماذا تأخرنا كلّ هذا التأخير في مسار الانتقال الطاقي،..الآن هناك تحرّك سريع لتعويض التأخر، بهدف الوصول إلى 35% من الطاقة المتجددة بحلول سنة 2035،لكن هذا الهدف ما زال غير كافٍ على الإطلاق”.
في ضوء المعطيات الصادرة عن المعهد الوطني للهندسة الريفية والمياه والغابات المنضوي تحت إشراف وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، يتّضح أنّ قطاع الفلاحة في تونس لا يزال قائمًا على الطاقة التقليدية، مع تباينات واضحة ترتبط أساسًا بحجم المستغلات الفلاحية وقدراتها الاستثمارية. فالمستغلات الكبرى، بالرغم من محدودية نسبتها التي تبلغ (4%)، تعتمد بكثافة على الكهرباء ذات الجهد المتوسط والديزل، مدعومة باستقرار ملكية الأراضي وسهولة النفاذ إلى التمويل، ما يجعلها أكثر قدرة على تبنّي التقنيات الحديثة. أمّا المستغلات الصغيرة والمتوسطة، التي تمثّل العمود الفقري للقطاع (68%)، فهي موزّعة بين استعمال الكهرباء والديزل، لكنها تواجه صعوبات مالية وتقنية تحدّ من قدرتها على الانتقال نحو الطاقات النظيفة. وتبقى المستغلات الصغرى، التي تمثل حوالي 28% من النسيج الفلاحي، الأكثر اعتمادًا على الديزل في التروية، مع ضعف واضح في القدرات التقنية والمالية، ما يجعلها الأكثر تضررًا من تقلبات أسعار المحروقات.
إعتماد الفلاحة في تونس على الطاقات التقليدية أثرت على الفلاحين أصحاب المساحات الزراعية الصغرى والمتوسطة اليوم بشكل كبير خاصة أولائك الذين يعانون من الانقطاعات المتكررة للكهرباء أو غيابها وحتى أولائك الذين تأثر نشاطهم الفلاحي بسبب تراكم ديون الكهرباء كما هو الحال لدى الطيب العامري الذي عمقت أزمة شح الموارد المائية أزمة العطش في أراضيه.لهذا أصبحت أنظمة
إعتماد الفلاحة في تونس على الطاقات التقليدية أثرت على الفلاحين أصحاب المساحات الزراعية الصغرى والمتوسطة اليوم بشكل كبير خاصة أولائك الذين يعانون من الانقطاعات المتكررة للكهرباء أو غيابها وحتى أولائك الذين تأثر نشاطهم الفلاحي بسبب تراكم ديون الكهرباء كما هو الحال لدى الطيب العامري الذي عمقت أزمة شح الموارد المائية أزمة العطش في أراضيه.لهذا أصبحت أنظمة الضخ بالطاقة الشمسية خيارًا قادرًا على تعويض الضخ التقليدي تدريجيًا، بشكل عام، تُبرز هذه المؤشرات الحاجة الملحّة إلى تسريع الانتقال الطاقي في الفلاحة التونسية، كخيار استراتيجي لمقاومة تغيّر المناخ والحفاظ على ديمومة الإنتاج.
الانتقال الطاقي ملاذ النشاط الفلاحي في تونس
بإمكان الطاقة الشمسية بما هي طاقة نظيفة متجددة أن تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز الوصول إلى الطاقة في المناطق التي تعاني من نقص الإمدادات الكهربائيـة، كما هو الحال في منطقـة الشواشي بحاجب العيون والتي ارتأى مزارعوهـا تركيب ألواح شمسيـة لضخ المياه،إذ يوضـح الفلاح ميلاد شعباني الوضع الطاقي بالمنطقة قائلا،: “الفلاحة في الشواشي تواجه نقصا في الكهرباء،لذا التجأت إلى تركيب الطاقة الشمسية حتى لا أفقد منتوجي الفلاحي”.
وكان تقرير لمنظمة الفاو العالمية نشر سنة 2021 بعنوان الطاقة المتجددة لمنظمة الأغذية الزراعية، وصف الطاقات المتجددة بما فيها الطاقة الشمسية بالحل الفعّال لإشكالية ضعف البنية التحتية ونقص إمدادات الطاقة،واعتبرها وسيلة لتوفير “طاقة محلية، موثوقة وبأسعار معقولة، يمكن تخصيصها لاحتياجات سلسلة القيمة الغذائية من الكهرباء إلى التدفئة والتبريد والنقل”. وأضاف كتاب التكنولوجيات الخضراء الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية بمناسبة معرض اكسبو 2025، أن ابتكارات الري بالطاقة الشمسية تساعد الفلاحين على تعزيز الإنتاجية والاستدامة، والأمن الغذائي في المناطق ذات الوصول المحدود للطاقة.بدوره قال فوزي الزياني إن الطاقة الشمسية من شأنها توفير الكهرباء بسهولة للمناطق النائية.
وفي منطقة الشواشي بحاجب العيون، بدا تأثير الطاقة الشمسية واضحًا على استمرارية النشاط الفلاحي.إذ مثلت حبل نجاة لإنتشال الفلاحين من معاناتهم بسبب نقص إمدادات الكهرباء وغياب البنية التحتية التي تمكّنهم من تشغيل الآبار بالطرق التقليدية.
اعتماد الألواح الشمسية مكّن الفلاحين من ضخّ المياه وسقي الغراسات. هذه الخطوة لم توفر فقط المياه، بل خفّضت أيضًا كلفة الإنتاج بعد الاستغناء عن المولّدات العاملة بالمازوط التي تثقل كاهل المزارعين بالمصاريف،ولعلها ستكون طوق نجاة أيضا للفلاح الطيب العامري ،إذ بواسطتها سيتخلص من فاتورة الكهرباء التي أرّقته، وستساعده على خفض كلفة الإنتاج،وهنا قال فتحي حمّاد “إن الطاقة الشمسية مكّنت الفلاح من توفير مصاريف الكهرباء بنسبة 100٪، إذ تخلص تمامًا من فاتورة الكهرباء وأصبح ينتج الطاقة بنفسه، مما ساهم في خفض كلفة الإنتاج”.
وفي حواره مع إذاعة دريم أف إم بين الزياني فوائد التحول السريع نحو الطاقات النظيفة في ميدان الزراعة وأولها إنخفاض كلفة الإنتاج الفلاحي، موضخا أن ” اعتماد الفلاحة التونسية اليوم على الطاقات التقليدية يؤثر على تكلفة الإنتاج، في حين أن الطاقات المتجددة تجعـل تكلفة الإنتـاج أقل بصورة ملحوظة”.
ووفقا لفتحي حمدة فإن حضور الطاقـة الشمسية اليوم في القطـاع الفلاحي يُعدّ تحـوّلًا جذريًـا، خاصـة لدى الفلاحين المعتمدين على الفلاحـة السقوية في القيروان وفي مختلف الجهات،وهنا أوضح حمدة توجه عدد متزايد من الفلاحين لتوليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، متخلّين عن مضخّـات الري التـي تعمل بالطاقات الأحفوريـة. وهنا أوضح قائلا؛ “وحتى الذين يعتمدون على الكهربـاء التقليديـة، أصبحوا يلجأون إلى الطاقـة الشمسية نظرًا لما يتيحه القانون التونسي من إمكانية إنتاج الكهرباء الخاصّة بالآبار والحصول على امتيازات حكومية”.
وكان تقرير الطاقة المتجددة لمنظمة الأغذية الزراعية قد أكد الدور المحوري للطاقات المتجددة بما فيها الطاقة الشمسية في تلبية احتياجات النظم الغذائية الزراعية في دول العالم، لما تقدّمه من فوائد تشمل رفع الدخل وتقليل المجهود البدني للمزارعين وتعزيز قدرتهم والمؤسسات الزراعية مع خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتقليل الأثر البيئي لسلاسل الغذاء.
الأثر البيئي للانتقال الطاقي
تعاني تونس وسائر دول العالم من آثار التغيرات المناخية وتطرفه، فرغم مساهمتها اليوم بنحو 0.5 إلى 0.7 بالمائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التراكمية العالمية، إلا أنها من أكثر الدول تضررا من هذه التقلبات، فعلى سبيل الذكر تواجه منذ 7 سنوات موجات جفاف فاقمت أزمة المياه التي تعيشها أين صُنِفت ضمن قائمة الدول التي تقع تحت خط الفقر المائي بعدما قدّر التقرير الوطني للمياه لسنة 2021 معدل استهلاك الفرد الواحد للماء بـ420 متر مكعب، في خضم هذا يبرز التحول الطاقي كأحد أنجع الحلول للتأقلم مع الاضطرابات المناخية والمساعدة على تطويق تَبِعاتها والحد من آثارها على البيئة والإنسان على حدّ السواء ويُعد قطاع الزراعة من القطاعات المعنية بالانخراط في مشروع التحول الطاقي نظرا لكونه الأكثر استهلاكًا للثروة المائية في تونس حسب البنك الدولي، إلى جانب مساهمته في ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وفق التقرير الصادر عن المنظمة العالمية للأغذية الزراعية “الفاو” بعنوان الطاقة المتجددة لأنظمة الأغذية الزراعية.
لذا يصبح التحول الطاقي في الميدان الزراعي ضرورة لتحقيق المساعي الدولية للحدّ في انبعاثات الغازات الدفيئة وأهداف التنمية المستدامة، وتعتبر الطاقة الشمسية الحلّ الأمثل للفلاحين للإنخراط في هذا التوجه العالمي، فالحلول القائمة على الطبيعة يمكن أن تزيد مرونة وكفاءة القطاع من خلال تعزيز كفاءة الري تقليصا للطلب على المياه، ، خاصة وأن تونس تواجه اليوم مشكلة شحّ كبير في المياه كان البنك العالمي نبّه من تداعياته على الإنتاج الزراعي، فيما جاء في عرض تقديمي للمعهد الوطني للهندسة الريفية والمياه والغابات، أن المناطق القاحلة في تونس تعاني من تراجع ملحوظ في مستويات المياه الجوفية وارتفاع في نسبة ملوحتها، “في ظل توسع الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الخطرة”.
ولهذا يصبح توسيع نطاق الري المستدام أمر بالغ الأهمية كما ذهب إلى ذلك كتاب التكنولوجيات الخضراء في عدده الصادر بمناسبة معرض اكسبو 2025.ذلك أن الفلاحة العالمية أصبحت اليوم تقف أمام منعطف مصيري، حيث لم تعد الطاقة التقليدية قادرة على مواكبة التحولات المناخية والضغوط المتزايدة على الموارد المائية.وفي هذا السياق، يصبح توسيع نطاق الري المستدام حجر الزاوية لضمان استمرار الإنتاج الغذائي، وتقليص التكاليف، والحد من الانبعاثات، وحماية الموائد المائية من الانهاك.
يشير الكتاب الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية التكنولوجيات الخضراء بمناسبة معرض اكسبو 2025، إلى أن الحلول الحديثة مثل أنظمة الري بالطاقة الشمسية والآلات العاملة بالكتلة الحيوية أصبحت عنصرًا محوريًا في إعادة هندسة القطاع الفلاحي عالميًا.وتبرز أهمية هذه الابتكارات على ثلاثة مستويات مترابطة: خفض الانبعاثات، تقليص الاعتماد على الوقود التقليدي، وتحسين إدارة الموارد.
وحسب فتحي حمد يُساهم اعتماد النشاط الزراعي في تونس على الطاقة الشمسية في خفض الانبعاثات الكربونية بشكل ملموس، “ويأتي ضمن مشروع وطني متكامل تعمل عليه الدولة التونسية للحد من الغازات الدفيئة وتعزيز الانتقال الطاقي في القطاع”.
على صعيد آخر توقع فوزي الزيّاني أن تصبح تونس رائدة في ميدان المنتجات الغذائية الإيكولوجية النظيفة والمحترمة للبيئة إذا ما انخرطت في مشروع وطني يعتمد بشكل أساسي على الطاقات المتجددة والفلاحة المستدامة، وحتى لا تكون بذلك في منأى عن الاتجاهات العالمية لإنتاج واستهلاك الأغذية الإيكولوجية التي تحترم البيئة،والمُنْتجة عبر طاقات متجددة صديقة للبيئة على غرار الفوطوضوئية وطاقة الرياح. يأتي ذلك توافقا مع دعوات أممية للتحول نحو زراعة مستدامة، نذكر منها دعوة منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في تقريرهم المشترك الصادر في 11 أفريل 2021 على هامش الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف لفصل قطاع الفلاحة عن الوقود الأحفوري، واستخدام الطاقة المتجددة في النظم الزراعية والغذائية لكونه من المسارات الأساسية لمواجهة تغيّر المناخ وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ذلك أن ” إنتاج الأغذية وتوزيعها واستهلاكها نحو ثلث الطاقة في العالم، وينجم عن هذه العمليات ثلث الانبعاثات العالمية من غازات الاحتباس الحراري”، وتبعا لذلك دعت منظمة الفاو إلى اعتماد أنظمة مثل مضخّات الري بالطاقة الشمسية، إذ يُمكنها تخفيف الاعتماد على محركات الديزل أو الكهرباء من مصادر أحفورية، ما يترجم إلى خفض مباشر في انبعاث ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات.
وبالتالي يصبح استبدال الكهرباء الموّلدة بالطاقة الأحفورية بضخ شمسي خيارا لتقليل الانبعاثات الناجمة عن سلسلة الإنتاج الغذائي، ولترشيد استهلاك مياه الري خاصة في منطقة مثل القيروان تعاني من شح مائي، تصنف ضمن المناطق ذات الإجهاد المائي المرتفع جدا.
الطاقة الشمسية تتحول من صديق للبيئة إلى خطر يهدد مواردنا المائية
رغم دور الطاقة الشمسية في تفعيل اتجاهات الفلاحة المستدامة، وتقليل الهدر المائي وخفض البصمة الكربونية للمنتجات الزراعية، فإن استعمالها اليوم في القطاع الزراعي يكشف عن جانب جديد لأزمة استنزاف الموارد المائية،خاصة مع انتشار الآبار الغير مرخص لها في تونس والتي يرى الخبير فوزي الزياني أنها المسؤولة اليوم عن تحول هذا النظام من خيار نظيف صديق للبيئة إلى تهديد جديد يطال المائدة المائية، وهنا كشفت بيانات للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية عن تسبب الآبار المرخصة والآبار العشوائية في استغلال الموارد الباطنية العميقة بـ134% سنة 2020، يأتي ذلك في وقت تزداد فيه عدد الآبار الغير قانونية ، إذ بلغت في القيروان 4671 وفق بيانات أدرجها المنتدى في إصداره لفيفري 2024 بعنوان التقرير السنوي لقسم العدالة البيئية والمناخية.
انتشار الآبار العشوائية التي بلغت 4671 في ولاية القيروان خلق نقاط ضخّ جديدة في مناطق مهدّدة أصلًا بندرة المياه.هذه الآبار تُحفر دون دراسة طبقات الأرض، ودون احترام طاقة التحمل المائي للمنطقة، ودون أي إشراف هيدرولوجي، وفي حال اعتماد الطاقة الشمسية في ضخ مياه الري في هذه الآبار الغير قانونية بشكل مكثف وغير رشيد يتضاعف الخطر على الثروة المائية.
هذه المؤشرات تنذر بالخطر في ظل استغلال الموارد الجوفية بنسبة 150% والمياه العميقة بنسبة 120%،فرغم المساعي للضغط على استنزاف الموارد المائية تشهد المائدة المائية اليوم هبوطا بحوالي 2 متر سنويا في عدّة مناطق أبرزها القيروان وهنا أكدت دراسة بعنوان “النمذجة المتكاملة لتدفق المياه الجوفية لإدارة طبقة المياه الجوفية الغرينية المعقدة: حالة دراسة سهل القيروان ميو-بليو-الرباعي (وسط تونس)” أنالحوض المائي الرسوبي في القيروان يشهد استنزافًا مائيًا مفرطًا أدى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية بما يصل إلى 22 مترًا في منطقة ذراع عفانة.
وفي غياب آليات رقابة صارمة، أصبح بإمكان الفلاح تشغيل مضخة الماء على مدار اليوم دون أن يتحمّل كلفة الكهرباء، أو يتخوف من تراكم ديونها. هذا الوضع خلق وفق المهندس الفلاحي بدر الدين خليفة سلوكًا جديدًا في الضخّ يقوم على “الإشباع” بدل “الترشيد”، لأن الطاقة أصبحت بلا مقابل تقريبًا، بينما المياه المحدودة تُستنزف بوتيرة متسارعة.
وفي المقابل أوضح الفلاح ميلاد شعباني أن الطاقة الشمسية يمكن التحكم فيه واستخدامها في الأوقات الضرورية لضمان ريٍّ ذكي ورشيد.
ولهذا أوصت الدراسة سابقة الذكر ، بضرورة تقليص الضخ المائي في الميدان الزراعي، وتحسين إدارة الموارد، ومراجعة سياسات حفر الآبار، وإعادة تقييم دور السدود في تغذية الأحواض المائية، مشيرةً إلى أن الضخ الجائر هو العامل الرئيسي في تراجع في تراجع مستويات كل من المياه السطحية والجوفية.
يمثّل الانتقال الطاقي في القطاع الفلاحي إحدى أهم التحوّلات التي تشهدها تونس اليوم في ظلّ الضغوط المناخية المتزايدة، وتدهور المائدة المائية، وارتفاع كلفة الإنتاج،إذ تمثل خيارا آمنا للفلاحين مثل الطيب العامري وميلاد شعباني.
ورغم ما تقدّمه الطاقة الشمسية والتكنولوجيات الخضراء من فرص حقيقية لتقليص الانبعاثات وتحسين مردودية الفلاح، فإنّ هذا التحوّل لا يمكن أن يحقّق أهدافه دون إطار حوكمة واضح يضمن استدامة الموارد الطبيعية، وعلى رأسها المياه الجوفية،فحتى الحلول القائمة على الطبيعة والتي من شأنها أن تساهم في تحقيق فلاحة مستدامة يمكن أن تتحول إلى خطر يهدد الثروة الطبيعية.
For every Show page the timetable is auomatically generated from the schedule, and you can set automatic carousels of Podcasts, Articles and Charts by simply choosing a category. Curabitur id lacus felis. Sed justo mauris, auctor eget tellus nec, pellentesque varius mauris. Sed eu congue nulla, et tincidunt justo. Aliquam semper faucibus odio id varius. Suspendisse varius laoreet sodales.