غير مصنف

القيروان تسجل موسم حصاد وفير رغم جفاف مناخها 

today18 سبتمبر، 2025 28

share close

تحولت حقول القيروان هذا الصيف إلى بساط ذهبي ممتد على مدّ البصر،معلنا عن موسم حبوب وفير،إذ أنتجت الولاية خلال الموسم الفلاحي الحالي 2024-2025 نحو   1 مليون و361 ألف قنطار من الحبوب محدثة بذلك تقدما بـ 152 ألف قنطار عن الموسم الفارط.

تقدما تجلى في تصدر الولاية قائمة الولايات الأكثر مردودية في تونس والأعلى إنتاجا رغم تبعات التغيرات المناخية ومشاكل السياسات،والتوزيع، والاستثمار.

يمتاز صيف القيروان بحقول الحبوب المترامية الأطراف أين ترى سنابل القمح والشعير الذهبية تتمايل تحت شمس حارقة،وقد أينعت منتظرة موسم الحصاد تأهبََا لرحلتها نحو المطاحن أو استعدادا لنقلها إلى مراكز التخزين  حاملة ثمار الأرض ومجهود الفلاحين.

يختزل مشهد الحبوب في القيروان صورة أوسع لقطاع الحبوب في تونس الذي سجل خلال الموسم الزراعي الحالي  ارتفاعا في الإنتاج والكميات المجمّعة.

إذ أعلن ديوان الحبوب في أحدث بيانات نشرها يوم 31 جويلية 2025 عن تجميع 11,780 مليون قنطار بـ15 ولاية متجاوزين بذلك معدل الكميات المجمعة خلال الخمس سنوات  الأخيرة.

وبين الديوان تفاوت الكمية بين مختلف الولايات إذ تتصدر ولاية باجة قائمة التوزيع الكمي للحبوب المجمعة بعد استحواذها على 23،79%.

ويليها على التوالي ولايات بنزرت،وسليانة،والكاف،وجندوبة،وزغوان،فيما تحتل ولاية القيروان المرتبة السابعة في هذه القائمة وذلك بعد مساهمتها بنسبة 6.15% من إجمالي كمية الحبوب المجمعة بمراكز التجميع على المستوى الوطني.

القيروان تسجل موسم حصاد وفير رغم جفاف مناخها 

انطلق موسم تجميع الحبوب في القيروان هذه السنة يوم 20 ماي 2025،فكانت أول من انطلق في عملية الحصاد،غير أنها كانت “إنطلاقة متعثرة” وفقا لما وصفه المولدي الرمضاني رئيس اتحاد الفلاحين بالجهة في مقابلة صحفية مع إذاعة دريم إف إم،مرجعا ذلك إلى الجفاف ونقص الأمطار الذي عانت منه الولاية السنوات الأخيرة الماضية،متأثرة بموجات الجفاف التي ضربت البلاد التونسية لأكثر من 5 سنوات وبموجات الحرارة التي أصبحت تواجهها الجهة.

إذ يتسم الشمال الغربي للجهة بمناخ شبه جاف فيما يصبح جافا جنوب الولاية،إذ  سجلت الولاية أعلى درجة حرارة في تاريخ تونس يوم 11 أوت 2021 بلغت 50.3 درجة محتلة بذلك المركز الأول إفريقيا والثاني عالميا في ترتيب المناطق الأشد حرارة وفقا لبيانات المعهد الوطني للرصد الجوي.

 وفي هذا السياق جاء تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن ارتفاع درجات الحرارة في الليل يمكن أن يؤثر بصورة سلبية على تكوين الحبوب.

من جهته قال المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في 23 مارس 2021 ،إن الولاية أصبحت تفتقر إلى الموارد الطبيعية المتجددة بصفة منتظمة ودائمة نتيجة التغيرات المناخية التي تتسبب في عدم انتظام التساقطات حيث يتراوح معدل تساقط الأمطار سنويا من 390 مم شمالا إلى 200 مم جنوبا.

وهو مايمكن أن يؤثر على الزراعة والأمن الغذائي الأمر الذي أكدته منظمة الأغذية والزراعة الأممية الفاو في نشرية قالت فيها  إن تغير المناخ والتصحر والجفاف وارتفاع درجات الحرارة جميعها تؤثر بشكل متزايد على الأمن الغذائي، وبالتالي الأمن المائي.

رغم هذه الصعوبات المناخية التي تمرّ بها البلاد التونسية وبالخصوص ولاية القيروان  تمكن أحد فلاحي القيروان من تحقيق مردودية عالية بلغت 104 قنطار في الهكتار الواحد.

وصف المولدي الرمضاني موسم الحصاد لهذه السنة بالوفير وقال إنه كان بمثابة جبر للضرر الذي لحق الفلاحين طيلة سنوات الجفاف الـ3 الأخيرة.

وقال إن كميات الحبوب المجمعة هذا الموسم هي الأفضل على مدى الـ15 سنة الأخيرة،وهو ما أدلت به المندوبية الجهوية للفلاحة بالقيروان في استجابة لمطلب نفاذ للمعلومة ، أين أوضحت تميز موسم الحبوب الحالي من حيث الإنتاجية التي بلغت 1 مليون و361 ألف قنطار الموسم الجاري بعد أن كانت 1 مليون و209 ألف قنطار الموسم الزراعي الفارط.

تراجع المردودية رغم وفرة الإنتاج

شهد إنتاج الحبوب في  ولاية القيروان الموسم الراهن تحسنا واضحا مقارنة بالموسم الفارط،بزيادة تقدر بنحو 12.6%.

ولعلّ أبرز ملامح تحسن القدرة الإنتاجية في الجهة توسع مساحة الحبوب المزروعة خلال الموسم الحالي فبعد أن كانت المساحة حوالي 46.721 ألف هكتار الموسم الفارط بلغت 48.550 ألف هكتار هذه السنة،منها 28,990 ألف هكتار مساحات مروية،وما يقارب 19,565 هكتار مساحات مطرية حيث ينتهج القائمين عليها سياسة الزراعة البعلية. ويعود توسع المساحات المروية على حساب المطرية إلى مناخ الولاية الشبه جاف،حيث يتراوح معدل الأمطار السنوي بها عادة بين 200 و400 ملم.

يعتبر تطور الكميات المجمعة من الحبوب أبرز مؤشرات تحسن الإنتاجية حيث تطورت الكميات المجمّعة من خمسمائة وتسعِِ وتسعين ألف قنطار سنة 2024 إلى 725 ألف قنطار.وتعتبر هذه الكمية المجمّعة الأعلى منذ 2010.

رغم أن كميات الحبوب المجمعة في الموسم الفارط أقل بحوالي 120 ألف قنطار إلا أن مردودية الإنتاج كانت أفضل وفق ما أكده المولدي الرمضاني،حيث حققت الولاية مردودية بلغت 55 قنطار في الهكتار خلال موسم 2023-2024،موضحا أنها انخفضت  السنة الحالية بشكل كبير وذلك بسبب الظروف المناخية.

غير أن مندوبية الفلاحة أوضحت أن مردودية إنتاج القيروان للحبوب هي الأعلى في كامل البلاد التونسية مؤكدة أن تراجع معدل الإنتاجية إلى 31.1 قنطار في الهكتار  السنة القائمة مقارنة بالسنة الماضية التي حققت مردودية 40 قنطار في الهكتار،يعود بالأساس إلى احتساب المساحات البعلية خلال الموسم الحالي ضمن إجمالي المساحات،ونظرا لكون إنتاج المساحات البعلية لكميات ضئيلة جدا من الحبوب تأثرت نسبة المردودية الإجمالية.إذ أن نسبة المردودية في المساحات المروية لوحدها  والمقدرة بـ 28,990 ألف هكتار بلغت 41.5 قنطار في الهكتار الواحد.

 القيروان : 2700 هكتار تصاب بالصدأ

أصيبت محاصيل الحبوب خلال الموسم الفلاحي الحالي بمرض الصدأ  أو مايعرف لدى الفلاحين بـ”الحمرة”،وأكدت المندوبية الجهوية للفلاحة في ردها على مطلب النفاذ إلى المعلومة إصابة 2700 هكتار من مساحات الحبوب بمرض الصدأ الفطري الذي تسببه فطريات “Puccinia”.

أكد رئيس اتحاد الفلاحين بالقيروان المولدي تسجيل مرض الصدأ في ولاية القيروان خلال الموسم الحالي،موضحا أن الفلاحين اشتكوا من انخفاض المردودية المتسبب فيها هذا المرض الفطري.

من جانبه أفاد  الفلاح عبد الباسط أن العديد من فلاحي القيروان قد أصيبت  محاصيلهم الزراعية بمرض صدأ الساق الفطري مع تباين في نسبة الضرر من فلاح إلى آخر.

“هناك فلاحون اهتموا بشكل واعٍ بصابة الحبوب و قاموا بمداواة فعّالة وصحيحة،وهناك فلاحين صغار لا يمتلكون إمكانيات مالية كافية لمداواة الصابة عند الضرورة و تزويدها بالأسمدة وما تستحقها،وبالتالي الضرر المسجل هذا الموسم من مرض الحمراء يختلف من منطقة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر”.

في المقابل قال الفلاح بمنطقة القطرانية فتحي الفطناسي  إن منتوجه من الحبوب إنخفض هذه السنة مقارنة بالمواسم السابقة بسبب  الصدأ الذي قال إنه ضرب أكثر من نصف المساحات المزروعة،مبينا أنه زرع نحو 34 هكتار من القمح الصلب على أن تكون قيمة إنتاج الهكتار الواحد مابين 6 و7 طن،غير أن توقعات الفلاح اصطدمت بواقع مغاير حيث كانت مردودية الهكتار الواحد قرابة 2.7 طن،معللا ذلك بإنتشار صدأ الساق  بسبب الرطوبة التي ضربت المنطقة بعد هطول كميات هامة من الأمطار.

“ينتشر الصدأ في جميع دول العالم أينما يزرع القمح،ولكن تتضاعف احتمالية انتشاره في المناطق ذات درجات الحرارة الدافئة ما بين 18 و30 درجة مئوية والتي تكون ذات رطوبة عالية أين تكثر قطرات الندى أثناء وبعد موسم الجني”.وذلك وفق ماذكرته خدمة البحوث الزراعية التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية.وأوضحت خدمة البحوث الزراعية الأمريكية أن الصدأ يفضّل الأيام الحارة التي تفوق درجتها الـ 25 درجة مئوية والليالي المعتدلة التي تزيد فيها درجة الحرارة عن 15،فيما تُساعد الرياح على نشر المرض  لمسافات طويلة”.ووفقا لذات المصدر يمكن أن يسبب الصدأ تلف نحو 50 إلى 70% من المحصول.

وقد أثبت  المعهد الوطني للبحث الزراعي التابع لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية في نشرية صدرت في 2023، تسجيل تونس إعادة ظهور صدأ ساق القمح في السنوات الأخيرة، خاصة في موسمي 2021 و2022.

ضعف المرافقة الفنية والإرشاد الفلاحي

يُعدّ ضعف المرافقة الفنية والإرشاد الفلاحي  أحد أبرز العوامل التي تُعرقل تطوير الإنتاج الزراعي، إذ يفتقد عدد كبير من الفلاحين إلى التوجيه والتأطير المستمر الذي يضمن حسن استغلال الموارد وتحسين مردودية المحاصيل،ذلك أن الموارد البشرية واللوجستية للمندوبية الجهوية للفلاحة  محدودة ولا تمكنهم  من توجيه وإرشاد كافة الفلاحين.وهو ما أثبتاه كلا الفلاحين الذي تواصلنا معهم فتحي الفطناسي و عبد الباسط،حيث نفى كلاهما تواصل أي مرشد فلاحي معهم نفيا مطلقا.

وأوضحت المندوبية في إجابتها على مطلب النفاذ إلى المعلومة أنها تسعى إلى تسخير مواردها البشرية واللوجستية المحدودة على إرشاد الفلاحين من خلال الأيام التوعوية والتحسيسية والعمل الميداني.

يأتي ذلك في ظل وجود اضطراب في نقل المعرفة بين الخبراء والفلّاحين إذ أن الإتصال بين الباحثين الزراعيين والهياكل الرسمية والفلاحين ضعيفة وهو ما يدفع الفلاحين إلى إعتماد أساليب تقليدية ذات مردودية منخفضة وإلى استقاء المعلومة من الإنترنت والتي تكون أحيانا غير دقيقة ولا أساس علمي لها.

بين ارتفاع تكلفة الإنتاج وتعدد مشاكل الحصاد الفلاحون يتكبدون الخسائر 

عمّقت مشاكل الحصاد الي تشهدها مواسم الحبوب سنويا معاناة الفلاحين المتسبب فيها إرتفاع تكلفة الإنتاج وآثار التطرف المناخي الذي يعيشه العالم، كاشفا عن خلل بنيوي في سلسلة إنتاج الحبوب،ممتد من الزراعة وصولاً إلى التخزين والتسويق،خاصة في ظل غلاء الأدوية والمبيدات والأسمدة الذي أثقل كاهل الفلاح وفي هذا الصدد أكد الفلّاح عبد الباسط ارتفاع أسعار الأدوية واختلافها من فترة زمنية إلى أخرى مثبتا أنها في ارتفاع مستمر يوما بعد يوم مشككا في وجود رقابة على الأدوية الفلاحية التي أكد أنها تباع في الصيدليات مع افتراض أنها مُنَظَمة،من جهته  وأوضح الفلّاح فتحي قائلا:”الأدوية الفلاحية باهظة الثمن خذي مثلا الأدوية المخصصة للقضاء على صدأ الساق يبلغ سعر القارورة الواحدة منها 370 دينار والهكتار الواحد من الحبوب يستهلك أكثر من قارورتين يعني 740 دينار.

 على صعيد آخر كشف عبد الباسط عدم فعالية الأدوية الفلاحية أحيانا:” هناك مواسم فلاحية تكون الأدوية المروجة خلالها ذات فعّالية جيدة وعندما تجرّب استخدام نفس الدواء في الموسم الفلاحي الموالي تتفاجأ بأن هذا الدواء لم يعد فعّال مع هذه البذور أو الحبوب،وتكتشف فيما بعد أن نفس الدواء تمّ مضاعفة جرعته وفعّاليته وتغيير اسمه وإعادة ترويجه في السوق”،مضيفا:” هؤلاء هل  انتبهت لهم الدولة قط هل هناك رقابة عليهم”.

تصريح للفلاح عبد الباسط

يأتي ذلك في وقت يعاني فيه الفلاح من مشكلة تدني كفاءة عمليات الحصاد التي تتسبب موسميا في خسارة كميات هامة من الحبوب،وفي هذا السياق قالت رئيسة مصلحة الحبوب وجودة المحاصيل بالمعهد الوطني للزراعات الكبرى سارة المرزوقي  في ملتقى إعلامي سابق بأن مردودية الفلاحين وجودة الإنتاج تتأثر سلبا جراء كميات الحبوب الضائعة من المحاصيل مشيرة إلى أن نسبة الخسارة تبلغ وطنيا 12 بالمائة من قيمة الإنتاج.

و أرجعت المرزوقي ذلك إلى اهتراء أسطول آلات الحصاد في تونس معتبرة أن تقادم الآلات الفلاحية هي عامل رئيسي في ضياع الحبوب ،يذكر أن أكثر من 60 بالمائة من الآلات يتجاوز عمرها 25 سنة.

يوجد بولاية القيروان 126 آلة حاصدة منها 89 آلة جاهزة للاستعمال فيما تستقطب من 45 إلى 60 آلة حاصدة من ولايات الشمال حسب المواسم.

قال الفلّاح عبد الباسط إن الآلات المعتمدة في الحصاد في ولاية القيروان أغلبها مهترئ وغير قادر على الحصاد بكفاءة عالية.

“أصحاب آلات الحصاد الجديدة وحديثة الصنع والتي تكون في حالة جيدة يرفضون حصاد المساحات التي تكون بها أشجار مغروسة،فنضطر إلى جلب آلات الحصاد القديمة والمهترئة التي تستغرق وقتا أكثر في الحصاد إذ تستغرق يوم وأحيانا يومان في حصاد هكتار واحد بسبب الأعطاب التي تصيبها”.

 وأفاد الفلّاح فتحي أن آلات الحصاد تتسبب في فقدان كميات مهمة من الحبوب مفسرا ذلك بقوله:”عندما نجمع التبن وتتهاطل الأمطار فيما بعد تُنبَتُ الحبوب وكأنك قمت بزراعة حبوب القمح من البداية “.

تمثل زراعة الحبوب أحد أعمدة القطاع الفلاحي في تونس،أضف أنها العنصر الرئيسي لغذاء التونسي إذ تشكل 45% من السعرات الحرارية التي يستهلكها يوميا والموجودة في القمح الصلب الذي يستخدم في المعكرونة والكسكسي،وفي القمح اللين المستخدم في صناعة الخبز.

Written by: dream fm

Rate it

0%