play_arrow
Radio Dream FM الاستماع المباشر
إعداد وتحرير: أحلام العامري
تستحوذ الأخبار الزائفة اليوم على حيز واسع من الاهتمام الجماهيري، ففي عصر التكنولوجيا وانتشار شبكات الجيل الخامس، أصبحت الأخبار الكاذبة جزءََ من المشهد الاتصالي، أين تتحول في بعض الأحيان إلى أحداث يبني عليه الجمهور تحليلاته وتصوراته إزاء مواضيع حساسة تستوجب الحذر في طريقة طرحها. ويعزى ذلك إلى السرعة القياسية التي تنتشر فيها المعلومة عبر الإنترنت، وإلى القدرة العالية لخوارزميات منصات التواصل الاجتماعي على نشر وإبراز المحتوى الأكثر تفاعلا وتأثيرا، حتى وإن كان مضلّلاً. فالبيئة الرقمية المعززة بشبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي التوليدي توفر اليوم أرضية خصبة لإنتاج ونشر الأخبار الزائفة الأكثر تعقيدا،والتي يصعب تمييزها أو كشف زيفها لاسيما حينما يوظف صنّاعها تقنيات التزييف العميق.
ففي زمن لم يعد فيه الصحفي المتحكم الوحيد في المعلومة أضحت منصات التواصل الاجتماعي محامل مكتظة بالأخبار غير الصحيحة، تكون إما زائفة كليا أو مضللة أو غير دقيقة، أخبار إختلفت مضامينها وأطرها ولكنها تساهم في واقع الأمر في تشكيل الرأي العام، فأحيانا تحول النقاش في الفضاء الافتراضي نحو مواضيع غير واقعية، وأحيانا أخرى تساهم في تمرير سرديات معينة. لذلك يعّد التصدي للأخبار الكاذبة حاجة ملحة في عصرنا الراهن نظرا لتأثيرها العميق على الرأي العام وصناعة القرار، فكنّا في وحدة التحري بإذاعة دريم إف إم قد رصدنا مجموعة من الأخبار الزائفة التي لاقت رواجََا على منصات التواصل الاجتماعي ارتأينا طرحها في هذا المقال وكشفها بإعتماد تقنيات التدقيق مفتوحة المصدر.
وسط الزخم المعلوماتي الذي تتسم به شبكات التواصل الاجتماعي يصبح رصد وجرد الأخبار الزائفة أمرا بالغ التعقيد فتداول الأخبار الزائفة اليوم وانتشارها هو نتاج منظومة تمتاز بسرعة النشر وعدم التدقيق في المعلومات قبل إعادة نشرها، وأظهرت دراسة صدرت في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2018 عن مختبر مت ميديا لاب بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن الأخبار المزيفة تنتشر بشكل أسرع من الحقائق، لاسيما إذا كانت مدعومة بصور أو مقاطع فيديو مثيرة.
“لقد وجدنا أن الكذب ينتشر بشكل أكبر وأسرع وأعمق وأوسع من الحقيقة، في جميع فئات المعلومات، وفي كثير من الحالات بمقدار عشرة أضعاف”.
تُعرفّ الأخبار الزائفة على أنها معلومات غير دقيقة وكاذبة، ووفقا لمنظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة فالخبر الزائف هو معلومة مضلّلة أو كاذبة نشرت عمدََا بهدف التأثير على الرأي العام، فيما عرّفته دراسة نشرتها جامعة بورنماوث البريطانية بأنه انتشار متعمد للتضليل بإعتماد وسائل إعلام تقليدية أو حديثة.وكانت ورقة بحثية نشرت سنة 2019 في مجلة الباحث للدراسات الأكاديمية في عددها الثاني أوضحت أن استخدام مصطلح الأخبار الزائفة لأول مرّة كان من طرف الصحفي الكندي كريج سلفرمان في تغريد يوم 14 أكتوبر 2014.
وفي هذا السياق صنفت منظمة الأمم المتحدة اليونسكو الأخبار الزائفة كونها معلومات غير دقيقة ضمن ثلاثة مفاهيم وهي المعلومات المضلّلة والمعلومات الخاطئة والمعلومات الضارّة. وذلك استنادا لنيّة الناشر ومقصده، فإذا ما كانت انعدام الدقة في الخبر ناتجة عن سوء فهم أو نقل خاطئ للمعلومة دون قصد فالخبر بذلك يصنف ضمن المعلومات الخاطئة، وفي حال كان المحتوى غير حقيقي ومفبركا عن عمد يُعدّ مضلّلا،أما إذا كان ناشر الخبر الزائف يهدف لإلحاق الأذى بالأفراد أو الجماعات عبر تشويه الأخبار فيُصنف ضمن المعلومات الضارّة.
يؤثر انتشار الأخبار الزائفة على اتجاهات المجتمع والرأي العام إذ يمكنها تشكيل تصورات الأفراد وتمثلاتهم تجاه قضية ما فتحثهم على تبني مواقف مبنية على مغالطات خاصة في زمن أضحى يتسم بالسيولة ويتميز بالهشاشة والسرعة أين أصبح الأفراد قابلين للتأثر suggestibility، فيمليون إلى تصديق المضامين التي يتعرضون لها يوميا دون التثبت والتدقيق.وفي هذا السياق أكدت أروى الكعلي، أستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار وباحثة في علوم الإتصال في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء “وجود معلومات ومحتويات في الفضاء الرقمي تشمل كافة المجالات، بهدف التضليل وتصديق سرديّة أو وجهة نظر معيّنة أو اتباع جهة بعينها أو إقتناء منتج ما، مبينة أن هذه الظاهرة مركّبة إلى حدّ ما، وتتداخل فيها عناصر متعددة كسهولة إنتاج هذه الأخبار وانخفاض كلفة نشرها”.
من تبعات انتشار الأخبار الزائفة نذكر أيضا قدرتها على خلق أزمات وانقسامات داخل المجتمع، وفي هذا السياق نقلت وكالة تونس أفريقيا للأنباء عن الصحفي صابر العيّاري قوله إن الأخبار الزائفة والمضلّلة خطر يهدد السلم المجتمعي ويتسبب في الانقسامات والخلافات بين الفئات والمناطق، ويمكن أن نعزز هذا الطرح بمثال ذكرته شبكة بي بي سي في أحد مقالاتها عن تأثير الأخبار الزائفة على تماسك المجتمع، فقد أدت ادعاءات غير صحيحة أطلقها دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية سنة 2024 ضدّ مهاجرين في سبرنغفيلد بأوهايو، إلى تعرضهم للإقصاء والتعنيف اللفظي والجسدي في الفضاء العام، إذ صورهم ترامب في حملته على أنهم خطرون على المجتمع وقال إنهم “هاربون من مؤسسات الأمراض العقلية، ويأكلون الكلاب والقطط وكل الحيوانات الأليفة”، ليُكشف فيما بعد أن إدعاءات ترامب كانت غير صحيحة وإنما كانت مجرد شائعة وظفها لخدمة حملته الانتخابية ضد كامالا هاريس فقط لأنها سوداء البشرة.
وفي المغرب العربي انتشرت أخبار أواخر نوفمبر 2025 تدّعي تخصيص القناة التونسية الوطنية الأولى برنامجًا خاصًا عن “الريف” و”قضية الصحراء الغربية” التي تتنازع عليها الجزائر والمغرب، انتشر الخبر تحت عنوان “استفزاز إعلامي تونسي جديد يهاجم وحدة المغرب الترابية”، قائلا ” إن القناة الحكومية خصصت البرنامج تماشيا مع السياسات العدائية للنظام الجزائري تجاه المغرب”.ولكن كنا في وحدة التحري في إذاعة دريم إف إم كشفنا زَيف هذا الخبر.
الحقيقة : الخبر زائف ذلك أن القناة الوطنية لم تخصص برنامجا للحديث عن قضية الصحراء والصورة المرفقة تحت المعلومة الزائفة مأخوذة من فقرة حقيقة العنوان التي تقدمها الصحفية الكاتبة فاطمة كراي ضمن برنامج "حدث وتحليل"، وأخذت الصورة تحديدا من حلقة 17 نوفمبر 2025، والتي تحدثت فيها الكراي في فقرتها سابقة الذكر عن الثورات التحريرية في المغرب العربي وعن عن ثورة عبد الكريم الخطابي كمثال.
بإمكان تداول الأخبار الزائفة الإضرار بالصحة العامة فيؤدي نشر المعطيات المزيّفة إلى سلوكيات خطرة، خاصة عند تداول معلومات صحية مضللة وقت الأزمات مثلما حدث زمن الكورونا، وفي هذا الصدد قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن “جائحة كورونا سلطت الضوء على قوة الإنترنت في تغيير نمط الحياة، الوباء أدى إلى تضخيم الجانب المظلم لتقنية الانترنت المتمثل بالانتشار السريع للتضليل الإعلامي؛ وبالتلاعب بسلوكيات الناس، وما هو أكثر من ذلك بكثير..”.
على صعيد آخر يمكن أن تؤثر الأخبار الزائفة على المسار الديمقراطي في الدول إذ بمقدورها توجيه سلوك الناخبين والتأثير على صنع القرار السياسي ،وهو ما أكده الصحفي صابر العيّاري مدقق بمنصة تونس تتحرى في حواره مع وكالة تونس أفريقيا للأنباء؛ الأخبار الزائفة تُستغل أحيانا لتوجيه الرأي العام وتضليله، خاصة خلال الفترات الانتخابية والأزمات، وما تمّ ترويجه أنذاك حول الأدوية والتلاقيح وفقدان المواد الأساسيّة”.
تتحول الأخبار الزائفة إلى تهديد يقوض السلم المجتمعي عندما تتعلق بالأزمات والفتن التي يعيشها المجتمع، نذكر منها مثال جاء في إصدار لمنصة مبادرة إدراك الإلكترونية بعنوان تأثير الشائعات في صناعة الرأي العام والمتمثل في انتشار معلومات مزيفة مفادها أن “الأفارقة يغزون تونس وصول الآلاف ما الذي يحدث”، وأوضحت المنصة أن هذه الأخبار تبين من خلال التثبت الذي تقوم به منصة icheck أنها زائفة،فالصور التي انتشرت تحت عنوان “الأفارقة يغزون تونس وصول الآلاف ما الذي يحدث” كانت لقائد فريق منتخب توغو إﻳﻤانويل أديبايور رفقة أعضاء فريقه بعد تعرض حافلتهم لهجوم في جيب كابيندا، وقالت المنصة إن “مثل هذه الإشاعات المرفوقة عادة ﺑﻤقاطع فيديو أو صور تسببت إلى حدود اليوم في انتشار حالة من العنف والفوضى والاعتداءات التي انتشرت ضد المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء حيث تم نشر أخبار وتهم اعتداءات ضدهم”.
وفي ضوء ذلك قمنا في وحدة التحري بإذاعة دريم إف إم بالتنقيب عن نماذج للأخبار الزائفة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي والتي من شأنها أن تؤثر على وحدة المجتمع وتماسكه مع اعتماد منهج التدقيق لكشف زيفها وابراز بعض التقنيات التي يمكن اعتمادها في صحافة التحري.
نشرت صفحة تسمى 30 sec يوم الخميس 11 سبتمبر 2024، صورة لوزيرة العدل ليلى جفال أرفقتها بخبر نصه كما يلي “نحن نستعد للدخول لكتاب غينيس للأرقام القياسية من خلال بناء أكبر سجن في العالم، تونس دائما سباقة ورائدة في مجال السجون”،قمنا بالتحقق في صحة الخبر بالعودة إلى المصادر الرسمية وهي وزارة العدل التونسية والجلسة العامة لمجلس النواب المنعقدة بتاريخ 15 نوفمبر 2025.وتأكدنا في نهاية المطاف من زيف هذا الخبر،
الحقيقة : تقرير مشترك عرض خلال الجلسة العامة المنعقدة بالبرلمان يوم 15 نوفمبر 2025، تضمن مشروع بناء سجن جديد في ولاية باجة بطاقة استيعاب 1000 سجين، وجاء المشروع ضمن البيانات المفتوحة المتاحة في موقع واب وزارة العدل.
الخبر زائف لأن لا أصل له البتة وإنما انطلق من أخبار غير دقيقة مفادها أن وزيرة العدل أعلنت خلال عرض ميزانية 2026، أمام مجلس النواب عن الشروع في بناء سجن جديد في باجة،والحال أن خبر مشروع بناء سجن جديد جاء ضمن وثيقة مشروع ميزانية وزارة العدل لعام 2026، ولم تعلن عليه وزيرة العدل في كلمتها أمام البرلمان خلال مناقشة مشروع مهمة وزارة العدل ضمن مشروع ميزانية الدولة للسنة المقبلة.
قمنا في وحدة التحري بإذاعة دريم إف إم بمشاهدة كلمة وزيرة العدل خلال مناقشة مشروع ميزانية المالية لـ2026 ولم نعثر على تصريح أو إعلان عن بناء سجن جديد في ولاية باجة، فذكر هذا المشروع كان في تقرير مشترك عرض خلال الجلسة العامة، كما أنه موجود ضمن وثيقة أساسية منشورة على صفحة واب الوزارة تلخص مهمة الوزارة ضمن مشروع الميزانية.
نشرت إذاعة الحياة أف أم يوم 05 ديسمبر 2025،خبر مفاده أن تونس هي الدولة الوحيدة في أفريقيا والعالم العربي التي أصبح معدل الخصوبة فيها أقل من 2.1، قمنا في وحدة التحري بإذاعة دريم أف أم بالتحقق في صحة هذا الخبر بالتنقيب على المعلومة في المصادر العلمية المفتوحة مثل البنك الدولي، ومكتب المراجع السكانية “Population Reference Bureau”، والمعهد الوطني للإحصاء، وأثبتنا أن هذا الخبر مضلّل فتونس ليست الوحيدة أفريقيا أو عربيا التي تشهد انحلالا ديموغرافيا (الشيخوخة السكانية)
الحقيقة : الخبر مضلل، إذ يوجد عدّة دول عربية وأفريقية بلغ معدل الخصوبة فيها أقل من 2.1
قمنا في وحدة التحري من التثبت في البداية من معطى أن تونس تسجل معدل خصوبة أقل من 2.1 طفل لكل امرأة، فوفقا للمعهد الوطني للإحصاء بلغ معدل الخصوبة عند المرأة سنة 2022، 1.7 طفل، بينما جاء في بيانات مكتب المراجع السكانية “Population Reference Bureau” أن معدل الخصوبة في تونس يبلغ 1.6 طفل، وهي بيانات محينة بتاريخ 9 نوفمبر 2024، من جهته قدّر “البنك الدولي” معدل الخصوبة في تونس سنة 2023، بـ1.8 طفل لكل امرأة.
ولمعرفة إذا ما كانت تونس هي الدولة الوحيدة التي تشهد انحلالا ديموغرافيا بحثنا في المصادر المفتوحة سابقة الذكر، ووجدنا عدّة دول عربية وأفريقية تسجل معدلات خصوبة أقل من 2.1 طفل لكل إمرأة ومن بينها دول سجلت معدلات أقل من تونس نذكر منها الكويت التي سجلت معدل 1.4 وقطر والإمارات العربية لمتحدة بتسجيلها 1.5 طفل، أما في القارة الإفريقية فوجدنا 3 دول تسجل معدلات خصوبة أقل من 2.1 طفل، وهي السيشل 2 والرأس الأخضر 1.5 وموريشس 1.3.
وبناء على النتائج التي توصلنا لها تأكدنا أن الخبر الذي نشرته المؤسسة الإعلامية الحياة إف إم مضلّل، فصحيح أن معدل الخصوبة في تونس بلغ 1.7 طفل لكل امرأة (وفقا لبيانات المعهد الوطني للإحصاء) ما يجعلها ضمن الدول ذات الخصوبة المنخفضة، ولكنها ليست الدولة الوحيدة عربيا أو إفريقيا التي سجلت معدل خصوبة أقل من 2.1 %.
في ظل التسارع غير المسبوق لتداول المعلومات، باتت الأخبار الزائفة تحدّيًا حقيقيًا يهدّد وعي الأفراد واستقرار المجتمعات. فخطورتها لا تكمن فقط في زيف محتواها، بل في قدرتها على الانتشار السريع والتأثير العميق في الرأي العام. وأمام هذا الواقع، تصبح مواجهة الأخبار الزائفة مسؤولية مجتمعية ومعركة وعي وثقافة ومسؤولية جماعية.
For every Show page the timetable is auomatically generated from the schedule, and you can set automatic carousels of Podcasts, Articles and Charts by simply choosing a category. Curabitur id lacus felis. Sed justo mauris, auctor eget tellus nec, pellentesque varius mauris. Sed eu congue nulla, et tincidunt justo. Aliquam semper faucibus odio id varius. Suspendisse varius laoreet sodales.
close
